الجمعة، 21 أبريل 2017

ماذا لو فازت "لوبان"

الإنتخابات الفرنسية:ماذا لو فازت "لو بان" ؟

    تبنت فرنسا منذ الخمسينيات الدعوة لتوحيد أوروبا الغربية، و توجت تلك الجهود باتفاقية " الجماعة الأوروبية للفحم و الصلب" الموقعة فى أبريل من عام 1951 بين الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوربى( فرنسا، ألمانيا الغربية ، ايطاليا ، بلجيكا ، لوكسمبورج ، هولندا )، كانت تلك الاتفاقية هي النبتة الصغيرة التى أفرزت ما صار يعرف اليوم ب " الاتحاد الأوربى" . لكن من الضرورى هنا التوقف للاعتراف بأن تلك الأتفاقية و ما تمخض عنها من اتفاقيات كان الغرض الرئيس منها هو كبح جماح القوة الصناعية الألمانية، واحتوائها فى إطار أوربى أوسع، وهو ما دفع وزير الخارجية الفرنسى "روبرت شومان" أحد أبرز الداعين للاتحاد- الى القول بعد توقيع اتفاقية الفحم و الصلب بأن "الحرب بين فرنسا و ألمانيا صارت غير واردة" .
    ظل الإتحاد الأوربى يجسد النموذج الأمثل للتكامل السياسى و الأقتصادى بين عدة دول شهد تاريخها حروباً طاحنة فيما بينها، ليتوج ذلك النموذج بجائزة نوبل للسلام عام 2012، قبل أن يفيق العالم على استفتاء ال "بريكسيت" الذى أختار من خلاله البريطانيون الخروج من الأتحاد الأوربى فى يونيو\حزيران من العام الماضى، ثم ما تلاه من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وهو كان أحد أبرز الداعمين لخروج بريطانيا من الأتحاد الأوربى، ليجعل مستقبل الأتحاد فى مهب الريح.
    فى فرنسا، تعالت الأصوات مطالبة بعقد اسفتاء مماثل لتقرير بقاءهم فى الاتحاد من عدمه، وهو أمر غير مستبعد أن يصل تأثيرقطع الدومينو Domino's effect التى بدأ تساقطها فى بريطانيا و الولايات المتحدة إلى فرنسا. لكن فرنسا ليست كبريطانيا، فبريطانيا لم تتوحد سياسياً مع الأتحاد ربما لأنها لم تنهزم فى الحرب العالمية الثانية فلم يكن لديها نفس دوافع فرنسا، و اكتفت بدورها فى تطوير التعاون الاقتصادى بين الجماعة الأوربية منذ انضمامها اليهم فى عام 1973 ، أي بعد أكثر من عشرين عاماً على اتفاقية الفحم و الصلب، إذ ظل انضمام بريطانيا إلى الجماعة الأوروبية محل اعتراض فرنسا، خصوصا الجنرال شارل ديجول الذى كان يعتبرها بمثابة "حصان طروادة" داخل الأتحاد لحساب الولايات المتحدة. و اليوم، بعد خروج بريطانيا بتشجيع من ترامب، يمكن إعادة النظر فى كلمات شارل ديجول.
    كانت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة اليمينى المتطرف قد أعربت دعمها لترامب خلال الانتخابات الأمريكية، كما دعمت "خيرت فيلدرز" اليمينى المتطرف فى الانتخابات الهولندية، وعقب استفتاء البريكسيت أعربت عن رغبتها فى طرح استفتاء مماثل للفرنسيين. لو بان تملك رؤية واضحة و متماسكة تجاه العولمة، إذ تعتبرها خطراً أفقد فرنسا الكثير من هويتها، وهو رأي يتبناه الشعبويون فى العالم، مثل ترامب الذى رفع شعار " أمريكا أولاً".
    لو بان التى حلت ثالثاً فى الأنتخابات الرئاسية الماضية عام 2012، تتصدر اليوم استطلاعات الرأي متفوقة على المرشح المستقل إيمانويل ماكرون ، و مرشح اليمين فرانسوا فيون. إذن ماذا اختلف فى الخمس سنوات الماضية ؟ دعنا نقول ان قضية الهجرة كان لها النصيب الأكبر فى صعود أسهم اليمين المتطرف على مدار الأعوام القليلة الماضية، خصوصاً هجرة المسلمين الى أوروبا، إذ يعتبر اليمين المتطرف أن تلك الهجرة ليس فقط تزيد من متاعبهم الأقتصادية و معدلات البطالة ، بل تمثل تهديداً واضحاً للتكوين اليدموغرافى الأوروبى ذو الطابع المسيحى.أثارت الأزمة السورية كل تلك الهواجس وأذكتها، حيث أصبحت هجرة السوريين كابوساً لدول الاتحاد الأوربى ،وهو ما دفع دولة مثل المجر لتعلن أنها سترحب فقط بالسوريين المسيحيين دون المسلمين. كل هذا يفسر استهداف اليمين المتطرف للمهاجرين المسلمين فقط، وليس الأفارقة، حتى أن صامويل هنتنجتون اعتبر فى كتابه صدام الحضارات ان المسيحية هي عنصر رئيسى فى الحضارة الغربية، يكفى أن نذكر أنه خلال مباريات كرة القدم فى بطولة أمم أوروبا التى عقدت فى فرنسا العام الماضى، طالب حزب الجبهة من اللاعب الفرنسى ذو الأصول الجزائرية "كريم بنزيمة" أن يعود الى بلاده، متجاهلاً أن معظم لاعبى المنتخب الفرنسى من أصحاب البشرة السمراء. ينبغى التوضيح أن المسيحية ربما لا تلعب ذلك الدور فى دولة علمانية عتيدة مثل فرنسا، لكن الخوف من الإسلام هو الهاجس الرئيس.
    حسناً، فوز لو بان بالأنتخابات سيعنى ببساطة خروج فرنسا من الاتحاد الأوربى، إذ أن شعبية لو بان قائمة بالأساس على دعاويها لعودة سيطرة الفرنسيين على أرضهم وليس على برنامج أقتصادى، كما أعربت أنها لا تريد أن تكون" تابعة لأنجيلا ميركل". وإذا قرر الفرنسيون منحها أصواتهم، فإن هذا سيعنى أنهم سيوافقون على الخروج من الأتحاد. خروج فرنسا من الاتحاد الأوربى هو بمثابة أنهيار الاتحاد كاملاً، إذ لن تستطيع ألمانيا أن تقيم صلب الاتحاد بمفردها بين دول تعانى من أزمات أقتصادية طاحنة وتسيطر عليها الشعارات الشعبوية.
    سيتعين على ألمانيا أن تغير تماماً من عقليتها و استراتيجيتها، إذ سبق أن قلنا أن فكرة الجماعة الأوروبية بنيت على أساس احتواء القوة الصناعية و العسكرية الألمانية، و فى وجود إدارة ترامب التى أعلنت ان على دول الناتو أن تتحمل تكاليف الدفاع الأمريكى عنها، و السياسة التوسعية للرئيس الروسى بوتين، تبدو ألمانيا مرشحة لتنهض بدور الدفاع عن القارة الأوربية بين تخاذل أمريكى و توسع روسى.
    ربما هذا السيناريو مغرق فى السوداوية، وربما من المستبعد حدوثه، لكن فوز لوبان بالانتخابات سيكون بمثابة ثورة فرنسية أخرى ليس من السهل توقع تبعاتها على الصعيد الأوروبى و الدولى بشكل عام.

حازم سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق