الخميس، 25 أغسطس 2011

الرأسمالية..2

مرت الرأسمالية بمراحل مختلفة إذن ،فى البداية خضعت لسيطرة التاجر ومنها أطلق عليها "نظام السوق" ، ومع الثورة الصناعية خضعت للمصنع،فأصبح المصنع يتحكم فى ما يصدر للسوق ومن ذلك ظهر التخصص وتحسن مستوى الإنتاج..إلخ

مع القرن العشرين اهتزت الرأسمالية كثيراً، وقال الكثيرون أن نبوءة كارل ماركس قد تحققت، فصعدت الأحزاب الإشتراكية للحكم فى دول أوربا الغربية ووصلت البروليتاريا للحكم فى روسيا والصين ، وازداد فقر الفقراء من العمال و غنى الأغنياء من المستثمرين، إلى أن ظهرت أقوى أزمة اقتصادية حتى ذلك الحين فى 1930 والتى عرفت ب"الكساد الأعظم" فنتيجة الفقر الذى انتشر بين العمال-والذين يشكلون الأغلبية العظمى فى كل المجتمعات وقتئذ- قل الإقبال على المنتجات إلى أن تلاشى فخسر المستثمرون معظم أموالهم ،فخسرت الولايات المتحدة 13% من اقتصادها فى يوم "الإثنين الأسود"  وارتفعت نسبة البطالة فى معظم الدول نتيجة تسريح العمال حتى وصلت إلى 40% فى بعض الدول الكبرى.

فى تلك الفترة، انقسم الاقتصاديون إلى قسمين، الأول مصمم على النمط التقليدى للرأسمالية الذى يرفض تدخل الدولة فى شئون السوق مؤكدين أن تدخل الدولة سيفاقم الأزمة ولن يحلها ، أما الفريق الآخر فطالب بضرورة تدخل الدولة وبسرعة حتى يتم إتقاذ اقتصاد الدولة من الغرق ووضعوا عدة خطوط لذلك التدخل، أبرزها وضع حد أدنى لأجور العمال و التأمين على حياتهم صحياً ومادياً ومزيداً من الإجراءات الوقائية للعمال ..الجدير بالذكر ان قانون التأمين الصحى هذا الذى أقرته بريطانيا فى أربعينيات القرن الماضى، ظل محور نقاش هام فى الولايات المتحدة حتى أقره أوباما فى عام 2009 !

صادف فى تلك الفترة(1930-1940) صعود زعيمان ساعدا فى خروج العالم من أزمته، هما هتلر فى ألمانيا وروزفلت فى أمريكا، تبنى هتلر مشروع ضخم من التسليح والتوسع فى الصناعة التحويلية ، كما أعتمد روزفلت فى دعايته الانتخابية على برنامجه الاقتصادى الذى يتضمن تدخل الدولة فى السوق،ساعدت هذه الظروف فى تخفيف وطئة الأزمة الأقتصادية، ثم جرت أحداث الحرب العالمية الثانية التى حصدت ما بين 30-60 مليون قتيل، فى فترة الحرب تم استهلاك بالطبع ما كان فائضا لأن الحرب كانت طويلة واتسعت ميادينها فى ثلاث قارات، وعندما خرج العالم من الحرب كانت أزمة الكساد قد حل محلها أزمة الشح ! كانت أوربا وروسيا واليابان شبه مدمرة تماما ،فظهرت الولايات المتحدة والدولار الأمريكى كقوة صاعدة ومهيمنة على الساحة الأقتصادية ، وفى نفس الوقت زاد الإقبال على السلع الأمريكية والدولار الأمريكى فظهرت أزمة الدولار فى 1951 نتيجة زيادة الإقبال على الدولار كعملة دولية بدلا من الاسترلينى

قبل نهاية الحرب بقليل أقرت الولايات المتحدة وبريطانيا نظاما صارماً بحيث يمنع قيام حرب أخرى، فتم تأسيس صندوق النقد والبنك الدولى، وكان هدفه هو مساعدة الدول التى تأثرت بالحرب وتتحكم فى عجلة الاقتصاد بما يمنع قبام حرب أخرى ، لكن عندما تولى ترومان الحكم فى الولايات المتحدة، وضهع مشروع مارشال لتنمية دول أوربا وكانت اليابان تحت الأحتلال الأمريكى، فتوجه صندوق النقد والبنك الدولى إلى تعمير الدول النامية، وكان البنك خاضع تماماً للولايات المتحدة وكانت وظيفته إحلال الاحتلال العسكرى البريطانى والفرنسى باحتلال اقتصادى أمريكى، ومحاربة الشيوعية فى نفس الإطار...

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

الرأسمالية..1

هل هى ظاهرة اجتماعية؟ أم هى نظرية لها قواعدها وأسسها؟
هل لها أنماطها التى تختلف من دولة لأخرى ؟ أم أنها ثابتة فى كل مكان؟
هل تطورت بمرور الزمن ؟ أم أنها ثابتة منذ أن عرفناها؟

أسئلة كثيرة من هذا القبيل طُرحت على من كثير من أصدقائى ، فقررت أن أبحث لأصل إلى النتيجة،لأنى كنت أجهلها أيضاً

للنظام الرأسمالى مصطلح آخر هو" نظام السوق" ، ورغم أن السوق ليس إلا جزءاً من الرأسمالية إلا أنه جزءاً جوهرياً وأساسياً لقيامها
عرف الإنسان التجارة والتبادل التجارى منذ القِدم، فكانت تقتصر على إشباع حاجات الناس الأساسية ، أى أن حاجات الناس كانت تتحكم فى السوق، حيث يجتمع محموعة من الأفراد"التجار" فى مكان محدد"السوق" وفى مواسم معينة ، لتبادل السلع، وكانت تلك الأسواق تتسم بطابع "الشمولية"فالرجل الذى يتاجر فى المواشى هو نفسه الذى يتاجر فى الذهب ، والذى يتاجر فى الذهب هو نفسه الذى يتاجر فى الخشب وهكذا..

فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، عُرفت الاكتشافات الجغرافية فيما عُرف ب"الثورة الجغرافية" وأدى ذلك إلى التوسع فى التجارة ، ومع تمدن الشعوب ظهرت الحاجة إلى أسواق دائمة ، فى هذه الفترة كان "السوق" يعتمد بشكل أساسى على التاجر،فهو يجلب البضاعة من مكان ليبيعها فى مكان آخر ، وكيفما تحسنت حالة التاجر، تحسنت حالة السوق

فى القرنين السابع عشر والثامن عشر عُرفت الثورة الصناعية ، وكان آدم سميث قد دعا قبلها إلى "التخصص" فقال " إن الثروة ليست بالمال أو الذهب أو تلك المظاهر،إنما الثروة فى الإنتاج وخصوصا الإنتاج الصناعى" ومن هنا ظهر التخصص، فكل تاجر تخصص فى سلعة معينة يتاجر بها،حينها تحولت السيطرة على السوق من "التاجر" إلى " المُصنع"،فاتسعت الأسواق وتخصصت هى الأخرى، فظهرت أسواق المواشى وأسواق الذهب وأسواق الخشب وهكذا..

إذن ف"الرأسمالية" ليست نظرية-كالإشتراكية- وليست قاعدة علمية لها كتبها وقواعدها ، بل هى ظاهرة اجتماعية تطورت بمرور الزمن وتلائمت مع ظروف مجتمعاتها ،وطُبقت بأساليب شتى فى أماكن شتى ، لكن نستطيع القول أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر حينما كانت بريطانيا وفرنسا قد أتمتا نهضة أقتصادية وأمريكا وألمانيا على وشك إتمامها ، بدأت الرأسمالية تسلك منحنى آخر أو ربما منحنى أكثر تطوراً ، حيث بدأ التنظير لها لتتمكن من مجابهة المشاكل التى هى عرضة لها خاصة مع ظهور كارل ماركس الذى تنبأ بسقوط الرأسمالية فى أكثر الدول تقدماً وإحلالها بالإشتراكية... وللحديث بقية...